استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي
وبعد قيام دولة الكيان الإسرائيلي، باتت المقاطعة اكثر تنظيمًا مع قرار مجلس الجامعة رقم 357 في 19 مايو 1951 الذي تضمّن تأسيس جهاز يُشرف على عملية المقاطعة يرأسُه مفوّض عامّ يعيّنه الأمين العامّ للجامعة. كما تضمّن القرار إنشاء مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل مقره في دمشق. فقد اندرجت المقاطعة في إطار تبني الجامعة للصراع ضد إسرائيل بوصفه صراعا عربيا - إسرائيليا متعلقا بالأمن القومي العربي.
وكانت نتائج سياسات المقاطعة العربية محدودة التأثير والفاعلية في الكيان الإسرائيلي بسبب الدعم الغربي للاقتصاد الإسرائيلي منذ عام 1948 من جهة, وعدم وجود استراتيجية عربية متكاملة للمقاطعة من جهة ثانية. وهو ما جعل نتائج المقاطعة الرسمية متواضعة ومحدودة, وقد تراجعت بعد توقيع عدد من الدول العربية اتفاقات سلام مع إسرائيل. بل إن الدول العربية التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل ضربت بالمقاطعة عرض الحائط, من خلال قبولها التعاون الإقتصادي مع اسرائيل.
لقد كانت المقاطعة ولازالت من أهم هذه الأدوات النضالية التي يمكن للشعب الفلسطيني ان يستخدمها في قيادة المعركة وان يستعيد من خلالها التحالفات مع القوى الديمقراطية والتقدمية عالميا، كما انها تمنح أصدقاء الشعب الفلسطيني فرصة القيام بدور ما بدل من التحول إلى وضعية المتفرجين الذين ينتظرون نتائج المفاوضات.
ومما عزز أيضا العمل على تفعيل حملة المقاطعة الشعبية وصول مفاوضات أوسلو الى طريق مسدودة والإخفاق في الاتفاق على حلٍ عادلٍ , شاملٍ للقضية الفلسطينية, وتزامن ذلك مع ترسّخ بنية الاحتلال الاستيطاني كنظام فصل عنصريًّ "الأبارتهايد"، وفداحة الجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصرة والضفة الغربية، واعتداءات المستوطنين الصهاينة على السكان الاصليين الفلسطينيين.
وتتطوّر المقاطعة الحالية ، كحركة شعبية غير مركزية وغير رسمية في العديد من دول العالم قوامها قُوى المجتمع المدني والحركات الاجتماعية. وتستحضر حركة المقاطعة استراتيجيات حركة النضال ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ومن أهم حملات المقاطعة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها وهي تُعرف اختصاراً ب"BDS" للكلمات الثلاث :مقاطعة Boycott، وسحب الاستثمارات Divestment، وفرض العقوبات Sanctions.
ويجتمع تحت هذا المسمى أغلب الجمعيات والمنظمات والناشطين في مجال مقاطعة إسرائيل في هذه الحالة نقطة قوة، فكل حركة منتمية إلى هذه الشبكة العالمية تعمل بحسب أوضاع بلدها ومجال عملها. وأغلبية العاملين فيها متطوعات ومتطوعون بخاصة مع تصاعد قوة الفاعل للفرد في إحداث التغير الاجتماعي وهو ما يتوافق مع مبادئ عمل حملة المقاطعة التي تقوم على تفعيل دور الفرد في نجاحها. وليست لهذه الحركة قيادة مركزية. كما أنها لا تعتمد على تمويل جهات معينة ومن ثم يصعب الضغط عليها. يضاف إلى ذلك أن نداء المقاطعة يقوم على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي العربية الفلسطينية. وتفكيك جدار الفصل العنصري وتطبيق حق العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة 194.
وقد أتاح تقدم وسائل الإعلام وانتشارها نقل الصورة الحقيقية لانتهاكات إسرائيل العنصرية. وتنكر اليمين الحاكم في إسرائيل لعملية السلام. ورفضه منح الفلسطينيين المعتدلين" حتى ما يحفظ ماء الوجه. وهو ما ساهم في التأثير في الرأي العام في عدد من دول العالم ، التي رأت فئات واسعة فيها ضرورة العمل على الحد من تعنت إسرائيل وانتهاكاتها. ودفعها إلى تغيير سياستها العنصرية من خلال المقاطعة. وأخذت المقاطعة أشكال عديدة منها، المقاطعة الاقتصادية التي تعد موقف طوعي منهجي يرفض استهلاك منتوجات إسرائيلية أو شركات تعمل لمصلحة لقد أثرت هذه المقاطعة في الاقتصاد الإسرائيلي.
أما المقاطعة الثقافية والأكاديمية ، فاتخذت عدة أشكال منها امتناع عدد كبير من الفنانين والمثقفين الاكاديميين في دول عديدة من زيارة الجامعات الاسرائيلية. لقد ارتكزت الحملة على الدعوة إلى مقاطعة اقتصادية وثقافية وأكاديمية لإسرائيل. وكذلك على بيان أصدره أكاديميون ومثقفون فلسطينيون في الأراضي المحتلة والشتات. في تشرين الأول/ أكتوبر 2003, حثوا فيه على مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. فقد قامت عدة جمعيات أكاديمية في الولايات المتحدة بمقاطعة أكاديمية شاملة لإسرائيل.
لقد هزت هذه المقاطعة صورة إسرائيل ، وذلك عبر التعامل معها بوصفها دولة عنصرية. ففي وقت ترى فيه إسرائيل نفسها دولة مميزة كناطقة باسم ضحايا النازية اليهود وكديمفراطية وحيدة في الشرق الأوسط, تعمل حملة المقاطعة بطريقة مباشرة على تبيين صورة إسرائيل الحقيقة، بوصفها دولة احتلال وفصل عنصري.
ليست هناك تعليقات :