اخر الاخبار

بدوي في المدينة قصة للكاتب ياسين البراق

- في يوم من الأيام, خرج بدوي للقيام بنزهة في المدينة, فلفتت أنظاره بناية ضخمة, جدرانها عالية, لها بابين واسعين, يتوسطهما حائط يفصل بينهما, و كل باب يدخل و يخرج منه مجموعة من الناس. معظمهم يصنفون ضمن الفئة النشيطة. مكتوب فوق البابين سطر من الكلمات, لكن البدوي كان أميا, و ذو نفس لا ترضى بالآخر. فقرر بأن يدخلها و يتفقد ما بداخلها, و يكشف عن سر دخول و خروج هؤلاء الناس منها. و عند دخوله إليها وجدها تتألف من عدة بيوت. فقصد إحداها, و وجدها مكتظة بالناس, و فيها ضجيج و ضوضاء, إلى درجة لا يستطيع أن يستمع إليك الآخر. ثلة من هؤلاء جالسون, و ثلة منهم واقفون, و كل نفر منشغل بشيء, منهم من يتفحص الكتاب, و منهم من يأخذ سيلفي مع البنات بهاتفه, و منهم أيضا من يحقق النظر في شخص واقف متواجد في آخر هذا البيت, و يستمعون إليه. إلا أن هذا الشخص لا يتكلم و لا يرى إلا الذين المتواجدون أمامه و قريبون منه. فاندهش من الأمر, و بادر ذهنه جملة من الأسئلة, و شرع في مخاطبة نفسه: _ ما هذا المكان الذي دخلته? و ما هذا الصداع الذي يؤلم الرأس و الأذنين? يا ويلي, ربما دخلت مستشفى الأمراض العقلية, لكن لا يوجد أحد هنا يرتدي البذلة البيضاء. و عندما لم يستطع أن يجيب على أسئلته, توجه إلى شاب, و حياه بتحية الإسلام, و سأله: _ قل لي يا بني, ماذا تفعل هنا? رد عليه الشاب مستغربا منه و من سؤاله: _ ماذا أفعل هنا? ألا ترى أني أحاول أن أسمع و أفهم ما يقوله الأستاذ? فقال له البدوي: _ الأستاذ? أي أستاذ? و أين هو هذا الأستاذ? و ماذا يفعل في هذا المكان الذي لا ترتاح له الأبدان و النفوس, إنه مكان يشبه سوق البادية, ما ينقصه إلا الحمير و الماشية. فضحك الشاب و علم بجهل البدوي و قال له: _ اسمع يا عمي, الأستاذ هو ذلك الرجل الذي يحمل في يده الميكروفون. قاطعه البدوي برده هذا: _ أيحسب نفسه مغني أم ماذا, هندامه لا يوحي بأنه مغني. أجابه الشاب: _ يا عمي, إنه يستخدم تلك الوسيلة ليصل صوته إلى كل الطلبة. قال البدوي: _ مهلا, مهلا يا بني, أتقصد بالطلبة هم هؤلاء المنشغلون بالهواتف و قضم الأظافر? قال الشاب: _ نعم, هذا ما أقصده, لكن ما يبدو لي أن صوت البشر قد غلب صوت الميكروفون. قال له البدوي: _ صدقت يا بني, كل هذه الأصوات و الكلمات التي تخرج من أفواه هؤلاء الطلبة, لا أفهم منها شيئا و لو كلمة واحدة, ما فهمته الآن هو أني سأعود إلى عائلتي و رأسي منتفخ بهذا الصداع المؤلم. قال الشاب: _ لكن يا عمي, أتعلم هذا المكان الذي دخلته? رد عليه البدوي: _ و الله يا بني, هذا الشيء الذي حيرني و أريد أن أعرفه الآن, لقد غرني بجدرانه الضخمة, و أثارني الفضول على معرفته. هيا, عرفني بهذا المكان! قال له الشاب: _ إنك يا عمي, في كلية العلوم القانونية و الاجتماعية. أجل, هنا يتم تدريس مادة القانون, و بعض المواد الأخرى. أجابه البدوي بضحكة مستهزءة: _ هههه, ماذا قلت? مادة القانون? لا تمزح معي, أنا لا أرى هذا الشيء الذي تسميه بالقانون, هههه. رد عليه الشاب: _ أنا أتكلم معك بجدية, قلت لك هنا يدرس القانون, لكن لا يحترم في بعض الأوقات. وضع البدوي يده على رأسه و قال: _ أأووووه, بدأ رأسي يتألم من كثرة الضوضاء و من كثرة هذه الأصوات المزعجة, شكرا لك يا بني على حسن حوارك معي, لا أستطيع أن أبقى في هذه الكلية, بل في هذه المدينة و لو لساعة واحدة. سأرجع الآن إلى قبيلتي و إلى أولادي, منذ مجيئي إلى هذه المدينة و نفسيتي متوترة. يغرك مظهرها الجميل فتزورها, و يقلقك باطنها فتندم عل زيارتها. وداعا يا بني.
فخرج البدوي من الكلية, و عاد إلى بيته و إلى أسرته القاطنين بالبادية, و عزم بأن لا يترك مرة أخرى الهواء النقي و الطبيعة الخلابة التي تشتهيها الأعين, و الماء الصافي, المداوي للأمراض و الخالي من الميكروبات, و يذهب إلى التلوث و الضجيج, و المكان الممتلئ بالأشخاص و البنايات .

قد يعجبك أيضا

ليست هناك تعليقات :

روائع القرآن الكريم Mp3

فريق الموقع

جمال شكرى
رئيس تحرير جريدة البنيان الاسبوعي حاليا بأخبار اليوم
مدير تحرير صحيفة الأحرار اليومية..سابقا
المستشار الصحفي والإعلامي لإدارة الإعلام مديرية أمن إسكندرية
نائب الموقع الإلكتروني بالصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية

رئيس رابطة صحفيون ضد الفساد عضو مجلس نقابة الصحفيين

مصطفى الحطابى كاتب كلمات و قصائد شعرية و زجل، قصص و مقالات
عضو النقابة الوطنية للموسيقيين الأحرار بالرباط ككاتب كلمات
المشاركة في فيلم قصير للمخرج محسين الناظيفي
الشبابية و هي تهتم بالمواهب الشابة على مستوى المدينة 2010 حاصل على شهادة في الإعلاميات المكتبية 2005 حاصل مستوى باك علوم تجريبية بثانوية أولاد حريز ببرشيد
GMAIL : M.ELHATTABI@GMAIL.COM

سكينة الفالحي من المغرب ، مدينة طنجة ، العمر 22 سنة ، دارسة للسيكولوجيا
و علم النفس و كخبيرة للعلاقات بين الشباب ، و حاصلة على الاجازة بالحقوق ،و
حاصلة على دبلوم في المحاسبة و التسيير ، و كاتبة و شاعرة و ناقدة سياسية ، لها عدة اعمال منها قصة حب مدفونة ، و حداد الروح و سحر الحياة و غيرها من
القصائد و كذلك سلسلة في اطار نقدي تحت عنوان سيليباطير فوق الثلاتين
و قصة دموع الرحمة و قصص قصيرة و روايات

عبد الرحمن عبد الغفار عرابي وشهرته الرسام مصمم جرافيك وفنان تشكيلي وكاريكاتير
يعمل مدرب جرافيك ورسم في اكاديمية خاصة رسام جداريات وديكور
رئيس قسم الكاريكاتير بموقع الفيروز رئيس قسم الكاريكاتير بجريدة كرامة الصعيد رسام الكاريكاتير بجريدة نبض الحرية
حائز على المركز الأول في الكاريكاتير بمحافظة بني سويف جمهورية مصر العربية حاصل على تقدير من محترف لبنان الفني بأكثر من مناسبة شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية