عين على مخرج : الحلوى لحمرا و الرقصة اﻷخيرة . قراءة فيلمية : الناقد السينمائي محمد المجاهد.
و نحن نشاهد الشريطين القصيرين 1/الحلوى لحمرا و 2/ الرقصة اﻷخيرة لموقعيهما المخرج الشاب من مدينة طنجة حمزة الدقون ،انتابتنا رغبة في خلخلتهما للوقوف على مدى صلابة موضوعهما و درجة إبداع إخراجهما ،خاصة واننا أمام فيلمين قصيرين تمكنا منذ مشاركتهما في أول مهرجان من الحصول على جوائز مهمة : حصل شريط الحلوى لحمرا اكثر من 10 جوائز خلال سنة من إنتاجه ،فيما الرقصة اﻷخيرة تمكن من حصد جائزة أحسن ممثل في اول مشاركة له . أما موقعهما حمزة الدقون الشاب الطنجي فقد عهدنا فيه غزارة العطاء ،إذ لا يتوقف عن البحث وكلما وجد النص المناسب إلا وتنتابه لهفة الاشتغال عليه ،ولا يهدأ له بال حتى يخرجه فيلما جاهزا ،يغني به الساحة السينمائية الشمالية و الوطنية .
الحلوى لحمرا : انطلاقا من هذا العنوان تتسابق أمام أعيننا مجموعة من اﻷفكار ، هي حلوى ،و الحلوى لها معانيها المتعددة و تزداد تعددا في لونها اﻷحمر ، الذي كرسه المخرج حتى بكتابته لفظا بنفس لونه ... هنا تكمن ذكاء السيناريست و المخرج حيث استطاعا أن يبثا في المشاهد رغبة أكيدة في مشاهدة الفيلم . الحلوى لحمرا معنى و لونا تذهب بنا بعيدا و نتيه قبل المشاهدة في متاهة الموضوع الجريء أو موضوع الدم او موضوع الحب او الحياة بحلوها و مرارتها . تتعدد لدينا اﻷفكار و تتشتت مخلفة فينا فضولا كبيرا من أجل مواصلة المشاهدة . هكذا كان العنوان قويا اكثر من الفيلم كله .
لقد تناول الفيلم موضوعا و شكلا ظاهرة تم تناولها في اكثر من عمل : الطفولة لدى الطفل الفقير /المحتاج الذي بقي مصطدما بواقع حاله /تذوب رغبته أمام حقيقة جيبه الذي يفي له بشراء حلوى حمرا معروضة للبيع ، اللون هنا ضروري وهو بعيد عن كل المتاهات الموضوعية للعنوان . نعم هي حلوى حمرا صعبة المنال ﻷنها نار و قوة دفعت الطفل للسقوط خارجا.
نهوضه هاته المرة كان على يد شابة أنيقة مهذبة لا تنتمي ﻷي جهة معينة ،مما نفهم معه دور المجتمع المدني و تدخله المباشر و السباق قبل أي جهة مسؤولة أخرى /الغائبة في الفيلم ،و هذا ما يظهر من خلال احتضان الشابة للطفل بعد نجاته من الموت بعد أن أدى هو اﻵخر مساعدة لمرأة لم تستطع عبور الطريق .
كان هذا هو الوجه الحقيقي الذي نصل إليه بعد المشاهدة : دور المجتمع المدني في حضن طفل الشارع /الطفولة المتشردة و التضامن المتباذل بين مختلف أطياف المجتمع في غياب او تقصير دور الجهات المعنية . هذا الوجه الذي تعامل معه المخرج بإبداع جميل ركز خلاله على اللقطة المعبرة الانتقال عبر تسلسل الاحداث ،لتلعب الصورة دورها الحقيقي في بناء عمارة الفيلم خاصةو أنه ابتعد عن الحوار الذي غالبا ما يحيلنا على الشريط المطول . إن من سمات الفيلم القصير الناجح اعتماد ضبط الحوار و في كثير من اﻷحيان اعتماد تيمة الصمت كوسيلة تعبيرية أساسية .
إن المخرج الناجح هو الذي يجتهد في عمله و يطمح في ترقيه الصدارة و لمسه جوهر اﻷشياء . و الاجتهاد يتأتى من خلال البحث في اﻹبداع الفني المناسب . و كون مخرجنا حمزة الدقون معروف برغبته في النجاح فهو يبحث عن مشاركيه ولا يخفي استفساراته عن كثير من اﻷشياء المهمة في عمله و التي من شأنها مساعدته في بناء تجربة سينمائية إيجابية ،لذلك نجده في كل مرة يحاول أن يستفيد من الهفوات ليخرج بعمل جديد لا يقل نجاحا عن سابقه و هذا ما ابان عنه من خلالي توالي أعماله و إن كان في بداية مشواره الفني/السينمائي .
و في كل عمل جديد كان يبين عن استفادة إيجابية فنية و إبداعية يزداد بها تشجيعا و شغفا سينمائيا ،مما يخصب لديه ما سبق اﻹشارة إليه من رغبة في البحث و الاجتهاد و الانتاج المثمر.
الرقصة اﻷخيرة من اﻷعمال التي أخرجها خلال هاته السنة /2019: العنوان لا يختلف عن سابقه :لفظين أولاهما مكتوب باللون اﻷحمر ،و إذا كان اللون اﻷحمر بالحلوى لحمرا قد دل على حرارة و مرارة العيش لدى بعض الطفولة ،نجد الرقصة اﻷخيرة يحيلنا على مجموعة من المفاهيم اﻷولية :الحب ، الحياة ، النار و بما أنها رقصة أخيرة فقد يذهب بنا الفهم إلى النهاية و الموت .
موضوعا ترك لنا السيناريو غموضا معينا يذوب مع توالي المشاهد ،كان لابد للجمهور ان يبذل مجهودا أكبر في تدبر الحدث ،و هذا شيء يحسب للعمل بحيث يهدف إلى تطوير التفاعل بين العمل كفيلم و المتلقي كمشاهد.
لعب الفصاء دوره الكبير في التعبير حيث انتقل بنا من فضاء الرقصة الى فضاء الغرفة ثم فضاء العيادة الطبية . لا محالة إذن أننا امام تيمة المرض و الخطر اﻷحمر / خطر اللون في انسجامه مع الهيكل العظمي و العيادة الطبية لا يمكنه إلا أن يجرنا لكشف المرض الفتاك ،نستشفه عبر تسلسل أحداث : متعة ملطخة بكاس خمر محرمة و ممنوعة يمكنها حتما ان تؤدي إلى المرض و الموت .
عرف المخرج كيف يوظف الترميز في كل الفيلم و يبتعد عن مباشرة الفعل ،و كان ناجحا لدرجة كبيرة في التعبير عن القاء/العلاقة الحميمية و عن المرض و عن الموت كذلك . إن اختفاء الراقصة هو موت و قناع البهلوان هو إخفاء لحقيقة المرض . لكن هل كانت الراقصة تقصد نقل المرض ؟ليست المراة وحدها معنية بإنتاج المرض ،هناك رغبة و فعل ملطخ مشترك يؤدي إلى مرض ينتقل من أحد إلى اﻵخر .تطرق الفيلم مجيبا عن هذا اﻹشكال في كون المرض نتيجة الفراش الملطخ الممنوع . و طبيعي بما أننا امام مرض خطير فقد تكون النتيجة الموت : ماتت الراقصة فيما بقي الشريك متخفيا بلباس بهلوان .
البهلوان طفولة و ابتهاج و براءة و ألوان و صباغة و هو كذلك قناع يخفي الحقيقة /اﻷلم و الحزن . اعتماد البهلوان في الفيلم هو رغبة في استمرار الحياة من جهة و خوف من الظهور جليا في الوسط وهو كذلك حاجز بينه و بين اﻵخر و أمام اسمرار المرض بالمجتمع اﻹنساني يبقى البهلوان باكيا متاثرا . أن يبكي البهلوان أو يحزن تلك قمة التعبير و الترميز خاصة وان البهلوان هو المجتمع هو الناس هو الحياة.
استطاع المخرج ان يتفنن في لمساته اﻹبداعية و أن يشتغل على قواعد فنية /تعبيرية /سينمائية عالية منها الصم
ليست هناك تعليقات :