الفكر التنموي في مصر: للباحث/ محمود محمد رياض
ويمكن القول إن الفكر التنموي في مصر تغير عبر المراحل المختلفة وتغير معه نمط التنمية, ففي البدايات سادت مفاهيم النمو غير المتوازن بالتركيز على قطاع الصناعة, وبني استراتيجية الإحلال محل الواردات, على أن تتم التنمية من خلال التخطيط الشامل, والنظام الشمولي, وبالتالي كان القطاع العام هو الذي يقود عملية التنمية, مع تغير مفاهيم تحقيق عدالة توزيع الدخل.
وفي الفترة من عام 1974 م, وحتى العام 1982 م, كان الفكر التنموي السائد هو الإسراع في تحقيق التنمية في إطار تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي, واعتماد التنمية على قطاعات مولده لموارد غير مستقرة, وتزايد الاعتماد على الديون الخارجية في تمويل التنمية, وتمت التنمية من خلال برامج سنوية متحركة وليست خططاً خمسية, مع تشجيع القطاع الخاص ليكون شريكاً في عملية التنمية جنباً إلى جنب مع القطاع العام, والبحث في مدي إمكانية تشجيع الصادرات, مع استمرار استراتيجية الإحلال محل الواردات ومع محاولة تطبيق مفهوم تحقيق التنمية أولاً قبل التوزيع.
واصل الفكر التنموي في الفترة الأخيرة من القرن العشرين والعشرية الأولي من القرن الحادي عشر مساره من خلال التحرر الاقتصادي وآليات السوق والإصلاح الجذري الشامل مع الاهتمام بقطاع الصناعة مرة أخرى في إطار مفهوم للتنمية يجمع بين القطاع العام والخاص وتبني استراتيجية للإنتاج من أجل التصدير مع محاولة أن تسير عملية التنمية والتوزيع معاً كلما أمكن، ووجود اتفاقية الجات والخصصة.
ومما سبق يمكن القول أن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر المراحل المختلفة أبرزت بعض المشكلات والمعوقات يمكن الإشارة إلى أهمها:
1ـ عدم نجاح قطاع الصناعة في التحول إلى قطاع قائد للتنمية بالدرجة الكافية.
2ـ تفاقم مشكلة البطالة لأسباب كثيرة, كان من أهمها أن نمط الاستثمار لم يكن متجها بالدرجة المطلوبة إلى استيعاب العمالة الوافدة لسوق العمل بالإضافة إلى عدم التنسيق بين سياسات الاستثمار وباقي السياسات الأخرى.
3ـ تفاقم مشكلة الديون الخارجية, عبر المراحل المختلفة, إضافة إلى مشكلة إدارة التنمية في عالم متغير يموج بالتحولات الاقتصادية التي تفرض العديد من التحديات.
فالتنمية إذن هي عملية يتاح فيها للناس أمتلاك السيطرة على مصائرهم ورفاهيتهم, فهي مسار ورؤية واضحة لمشروع حضاري متكامل يشمل خمسة مكونات وهي: السياسي, الاقتصادي, الاجتماعي, البيئي, الثقافي.
فالمكون السياسي يهدف إلى إحداث تحول ديموقراطي في المجتمع أي إلى تغيير سياسي في النظم, أما المكون الاقتصادي فيهدف إلى اعتماد سياسات التكيف الهيكلي نحو العمل على زيادة الإنتاجية عبر تنمية العامل البشري, وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص التفاوتات بين فئات المجتمع, ويقوم المكون البيئي على اعتماد سياسيات اجتماعية توفر الضمانات للناس كتقليص التفاوتات بين المناطق, وتغيير البنية التقليدية نحو الإنتاجية وعدالة التوزيع وتنمية القدرات البشرية, ويعتمد المكون البيئي على رفض الهدر البيئي والتصحر, وحسن استعمال الموارد الطبيعية ويتمثل المكون الثقافي في إنجاز تحول ثقافي في بيئىة تنموية ضمن مستويات مختلفة (كالإعلام).
وهذا يجعلنا نطرح موضوع التنمية المستدامة بقوة في ظل حالة عدم الأمن والاستقرار التي تعصف بالمجتمع العالمي نتيجة الفقر, وعدم توفر الإندماج الاجتماعي وتزايد النمو السكاني, وعدم المساواة بين الجنسين.
ليست هناك تعليقات :